إن نفوسنا تترقب كلمة طيبة لعلها ترتقي نحو الأمل ولعلها تسمو نحو باب النجاح.
إن الكلمة الطيبة تخرج ممن طاب خلقه وصفا قلبه.
وعند التأمل في كتاب ربنا نجد أن هناك إشراقات لاختيار الكلمات، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: كلموهم طيبًا، ولينُوا لهم جانبًا.
ويقول تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53].
قال السعدي رحمه الله تعالى: وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على إختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.
والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره ا.هـ
قلت: وقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، فاللسان يصنع في المستمع الحب أو البغض لك فإختر أحدهما.
مما نحتاجه:
= مع والديك الذين كانت حياتهم لك ولأجل أن ترتقي في سلم النجاح، يا ترى هل أنت ممن تميز في اختيار أجمل الكلمات وأحسن الألفاظ معهم وتمتثل لقول ربك {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23] أم أنك ممن يجيد فن الجرح لقلوب طالما تألمت لتسعد.
= في البيت هل تجيد المرأة أن تستقبل زوجها حينما يقدم من عمله بكلمة طيبة، لعلها تخفف عنه هموم العمل وضغوطه ومشكلاته أم أن الزوجة تستقبله بعبارات باردة أو عتاب متكرر في سبب التأخر أو نقاش في قضية أحد الأطفال؟.
= هل يستطيع الزوج أن يُهدي زوجته كلمة طيبة بعد إعدادها لتلك الوجبة الجميلة أو بعد قيامها بترتيب المنزل؟.
إني أتساءل هل يقوى الزوج على أن يصرح لزوجته بالحب والمودة أم أن الحياء أو عدم القناعة أو عدم التربية على تلك المعاني يمنعانه من ذلك الكمال في الاختيار للكلمات؟.
= في العمل الوظيفي هل يجيد المدير العام أن يرسل كلمات تحمل الثناء والحب والتقدير للموظف الذي يستحق الإشادة.
= في المجتمع الدعوي نتمنى أن يسمع الناس منا الكلمات الطيبة التي تدل على رحمتنا وشفقتنا بهم مهما بلغت ذنوبهم وخطاياهم.
= في القطاع التعليمي للبنين والبنات هل نحن نسمع من المدرسين والمدرسات عبارات فيها الأدب الراقي والذوق الرفيع والتثبيت على معالي الأمور؟.
أم أن المدرس ينتقي من قاموس كلماته أسوأ الألفاظ وأدنى العبارات ليسقط الطلاب في بحار الفشل والنقد الهادم.
= إخوتك وأخواتك يحبون منك أن تنتقي لهم كلمات الحب وسرد الذكريات الحسنة والهدوء في تصحيح الخطأ، ولا يحبون منك قسوة الكلمة وجرح المشاعر، فلم لا ترتقي مع إخوتك وأخواتك وتكون خير مثال لهم في إهداء الكلمات الطيبة؟.
إن كلمة هادئة لأخيك أو أختك تحمل في طياتها الحب والتقدير أو الاعتذار سوف تصنع في القلوب ما لا يخطر في بالك من الحب والسلامة والصفاء.
= وأنت مع زملاء الحياة وأصدقاء الزمن هل تمارس بين الفينة والأخرى الكلمة الطيبة عبر اتصال أو رسالة جوال أو بريد، أم لعلك ممن غلب عليه الغفلة فكان مع الزملاء عدواً و ثقيلاً وهو لا يشعر، وكان من أولئك الذين لا يفرح أحد بلقائه وما ذاك إلا بسبب لسانه وكلماته التي تسقط الرجال وتهوي بهم نحو الهاوية.
= في البيت وأنت مع أولادك البنين والبنات يا ترى أأنت ممن يهدي كلمات الحب والثناء والرحمة والتشجيع أم أنك ممن فاز بالمركز الأول في فن الإسقاط وإلصاق التهم بأسوأ الكلمات والألفاظ؟.
= مع العمال والخدم ستضفي الكلمة الطيبة عليهم مزيداً من العمل والحب لصاحب العمل، وهذا أنس رضي الله عنه يخدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ولكنه لم يسمع من رسولنا صلى الله عليه وسلم كلمة أف، فأي سمو كان عليه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم؟.
= خطيب الجمعة له دور بارز في تفعيل دور الكلمة الطيبة في المجتمع حينما يتمثلها في خطابه للناس وينتقي في كلماته أجود الكلمات التي تثير الحماس في نفوس الناس وتصنع فيهم حب الخير والتفاعل معه، وسيفشل الخطيب حينما يغفل في إنتقاء الكلمات وينسى أن الأذن تدرك وتتأمل فحينها يغيب دور الخطبة عن واقع الناس وتصبح خطبة الجمعة باردة وثقيلة ولا يُفرح بها.
إن الكلمة الطيبة حروف إجتمعت ثم خرجت، وهي سهلة على من زكت نفسه وطابت سريرته.
إنها صدقة سهلة جداً ونقوى أن نكررها في الساعات وفي الحديث: «والكلمة الطيبة صدقة» متفق عليه.
إن في الجنان منازل لعشاق الكلمات الطيبة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها». فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله! فقال: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام» صحيح الترغيب: 946.
جولة في التاريخ:
إن الكلمة الصادقة قد تصنع في مستمعها همة عالية وانطلاقاً نحو الكمال، وهذا ما نريده في واقعنا المليء بصور التشاؤم والإحباط والتثبيط، وعندما نتأمل كلمات خديجة رضي الله عنها لما نزل الوحي برسول الله كيف كانت لكلماتها دور في تثبيت قلب النبي على الوحي إنك لتصل الرحم وتعين على الحق وتكسب المعدوم.
لقد صرح رسولنا صلى الله عليه وسلم بالحب لأحد أصحابه وهو معاذ رضي الله عنه، فقال: «يا معاذ والله إني لأحبك» صحيح أبي داود: 1522، فيا ترى ماذا صنعت هذه الكلمات في همة معاذ وطموحه وعزيمته؟ أفيعجز بعض العلماء والدعاة أن يصرحوا لبعض طلابهم المتميزين بهذا الحب؟ ولك أن تتعجب أين الاقتداء بالرسول في مثل هذه السنة التي تداعب المشاعر وتصنع في الناس الحب والهمة والعزيمة.
لقد كان العلماء يمارسون مع طلابهم دعماً معنوياً عبر كلمات يسيرة ولكن ثمارها كانت كبيرة وعظيمة. فتأمل:
* يقول البخاري رحمه الله تعالى: كنا في مجلس إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى فقال: من ينشط لجمع الحديث الصحيح؟ قال البخاري: فوقع ذلك في نفسي، فبدأت بجمع الأحاديث الصحيحة.
قلت: فتأمل هنا تجد أن همة البخاري إنطلقت نحو أكبر مشروع في التاريخ الأول وهو جمع الأحاديث الصحيحة بسبب كلمة قصيرة.
يا ترى لو أن إسحاق بن راهويه مارس مع طلابه أسلوب التثبيط والتوبيخ هل سيكون صحيح البخاري موجوداً بيننا؟.
* يقول الذهبي رحمه الله تعالى: رآني أحد العلماء ورأى كتابتي فقال: خطك يشبه خط المحدثين، قال الذهبي: فوقع في قلبي حب الحديث. ا.هـ
قلت: ثم برز في الحديث وعلم الرجال والسير حتى أصبح من أئمة هذا الشأن، فعجباً لكلمات تصنع في الأمة أئمة ومشاريع كبرى.
فرسالتي هنا:
عود لسانك على انتقاء الكلمة الطيبة فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ولعلك تحذف من قاموسك كلمات التجريح والتثبيط، فو الله إنها لا تزيدنا إلا تأخراً وتراجعاً.
المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.